المتاحف ليست مؤسسات ثقافية منوطة بالحفاظ على التراث والتاريخ فقط، وإنما هي مؤسسات تعليمية ديناميكية شاهدة على وجود ثقافات ومعتقدات متعددة وداعمة لفكرة التنوع والتعددية بين بني البشر، وتشجع على تبادل الأفكار والرؤى وتكرس للإثراء الفكري الانساني.
ونظرا لأهميتها في حياة الانسان، خصص لها 18 ماي من كل سنة كيوم عالمي للمتاحف، ويمكن إرجاع هذه المناسبة إلى عام 1951 وذلك في اجتماع رسمي أوضح فيه المعنيون أهمية المتاحف، والتي تم تلخيصها في : "البحث والحفظ والاستمرار والتواصل مع المجتمع بشأن التراث الطبيعي والثقافي العالمي، الحاضر والمستقبل، الملموس وغير الملموس"
وتظل المتاحف وسيلة مهمة للتبادل الثقافي وإثراء الثقافات وتنمية التفاهم المتبادل والتعاون والسلام بين الشعوب.
وفي هذا الإطار ، وإحياء لهذه الذكرى، نظمت "جمعية طنجية بين الامس واليوم" البارحة ( السبت 18 ماي 2024 ) ، لفائدة بعض اعضاءها وعضواتها ، زيارة استكشافية لابرز متاحف المدينة القديمة بطنجة ، وذلك بتأطير من الأستاذة عزيزة المزريوري رئيسة مصلحة جرد التراث الثقافي بجهة طنجة تطوان الحسيمة ، ورئيس جمعية طنجة بين الامس واليوم الاستاذ عبد الواحد البقالي .
فبعد فطور جماعي في الهواء الطلق بفضاء مقهى مرشان في جو عائلي متميز ، اتجه المشاركون والمشاركات ( 25 فردا ) على الساعة العاشرة صباحا لزيارة ابرز متاحف المدينة القديمة عبر باب مرشان او باب القصبة :
1- برج النعام - فضاء ذاكرة ابن بطوطة:
كانت أول محطة في الزيارة، وللعلم ان هذا المتحف يسمح لزائريه اكتشاف السيرة الذاتية للرحالة للطنجي مُحَمَّدٌ بْنُ عَبْدِ ٱللّٰهِ بْنُ مُحَمَّدٍ ٱللَّوَاتِي الطنْجِي المعروف ب"ابن بطوطة" والذي لقَّبَته "جمعيةُ كامبريدج" ﺑ "أمير الرحَّالةِ المُسلمِين " ويبرز كذلك الدول التي زارها والشخصيات التاريخية التي التقى بها ووسائل النقل التي استعملها في تنقلاته برا وبحرا والتي دون تفاصيلها "ابن جزي الكلبي" في مؤلفه "تُحْفة النُّظَّارِ في غرائبِ الأَمْصارِ وعجائبِ الأَسْفار" .
ويبرز هذا الفضاء كذلك أهمية البناية التي يتواجد داخلها هذا المتحف ، وهو "برج النعام" وهو من أهم المعالم العسكرية بالمدينة، والذي كانت وظيفته تتلخص في الدفاع عن المدينة بحرا ، والذي تم تعزيزه في أواخر القرن التاسع عشر بمدفعين كبيرين من نوع "امسترونغ" على عهد السلطان الحسن الاول. وتتجلى جمالية هذه الفضاء هو موقعه المرتفع واطلالته البانورامية على مضيق جبل طارق والمقابل لشبه الجزيرة الأيبيرية.
- متحف القصبة للثقافات المتوسطية:
أطرت الزيارة فيه المسؤولة عن المتحف السيدة ...، والتي عرفت من خلالها للزائرين بتاريخ معلمة دار المخزن وملحقاتها، وأهم المرافق والمحتويات التي يتوفر عليها هذا المتحف الاثري المتميز بدءا من قبة السلطان البهية الى حديقته الغناء.
وللتذكير ، ان هذا المتحف كان يسمى في بدايته الاولى " متحف القصبة " = "Musée de la Kasbah " والذي تأسس سنة 1922، بمبادرة المؤرخ والانثروبولوجي الفرنسي "ميشو بيلير".
وبعد استقلال المغرب وانتهاء النظام الدولي بطنجة ، عملت الدولة المغربية على اغناء المتحف شيئا فشيئا بمجموعة من القطع الأثرية التي عثر عليها أثناء عملية التنقيب في طنجة والمناطق المحيطة بها .
ورغم ذلك ظل المتحف متواضعا في شكله ومكوناته وعرضه حتى سنة 2015، حيث شهد عملية ترميم من طرف" المؤسسة الوطنية للمتاحف" = Fondation Nationale des Musées " المتواجدة بالعاصمة الرباط.
وبعد مرور سنة من الاصلاح ،تم فتح أبوابه أمام الزوار وذلك في 28 يوليوز 2016 تحت اسم "متحف الثقافات المتوسطية" = "Musée des cultures méditerranéennes"
واصبح يشكل ذاكرة تاريخية وحضارية لمنطقة البحر المتوسط، لما شهدته من أحداث وثقافات طبعت مختلف العصور، بدءا من عصور ما قبل التاريخ الى العصر الحديث.
- فضاء الفن المعاصر :
كان في الاصل سجنا مدنيا ، وبعد إغلاقه وإهماله لمدة طويلة بعد فتح سجن "عزاريطو" شرق المدينة ، تم افتتاحه يوم الخميس 23 دجنبر 2021 وذلك بعد إصلاحه وتأهيله وتحويله الى فضاء لعرض اللوحات التشكيلية. واصبح بذلك يعكس التمازج الثقافي من جهة و ابراز الخصوصيات الفنية للجهة من جهة اخرى، وذلك من خلال ال الفنية المعروضة الاي أبدعها فنانون شماليون من مدارس مختلفة والذين ساهموا بابداعاتهم في إغناء الفن التشكيلي المغربي بصفة عامة.
- متحف دار النيابة :
كان آخر محطة في زيارة للمجموعة ، والذي يتواجد بطريق الصياغين القريب من "سوق الداخل".
وللعلم ، ان المتحف المذكور ، افتتح 26 شتمبر 2022 .وتتجلى أهميته انه يؤرخ لجزء من التاريخ الدبلوماسي المغربي خلال القرنين 18 و19م ، ومع تأهيل فضاءه ، تم تخصيص جزء منه لأعمال تشكيلية متميزة لفنانين مرموقين عالمين تأثروا بجمالية طنجة من جهة والمغرب بصفة عامة .
والمتحف المذكور يضم مجموعة من الوثائق والربائد التي تؤرخ للأحداث التي شهدتها طنجة منذ عهد المولى سليمان، مع التعريف بأهم النواب الذين تعاقبوا على حكم المدينة والذين وقعوا باسم السلاطين الذين عاصروهم على عدة اتفاقيات ومعاهدات مع الدول الأجنبية المتنافسة حول المغرب والتي كانت لها انعكاسات سلبية على مستقبل المغرب والذي سقط في الأخير في الشرك الاستعماري سنة 1912.
وللعلم ،ان هذه البناية اصبحت منذ عهد السلطان عبدالرحمن بن هشام، سنة 1860 كمقر لإدارة وزارة الخارجية المغربية وبالتالي غذت حلقة وصل بين الدولة المغربية والتمثيليات الأجنبية المعتمدة في المغرب قبل الاستقلال.
انتهت الزيارة على الساعة الثالثة مساء، أعرب خلالها كل المشاركين والمشاركات بانها كانت زيارة ناجحة بكل المقاييس وانها مفيدة لا تُقدر بثمن، وان المتاحف تعد وسيلة مهمة وتلعب دوراً حيوياً في تثقيف الناس حول الفن والهندسة المعمارية والثقافة والتاريخ والحضارة في بلادهم بصفة عامة ومدينتهم بصفة خاصة .
كما أبدوا بعض الملاحظات الدقيقة من اجل تجويد خدمات متاحف مدينة البوغاز والرفع من قيمتها المادية و المعنوية لتصبح إحداها في السنوات المقبلة ضمن العشر المتاحف الكبرى في العالم كمحفةالفاتيكانومتحف كابيتولين بروما في إيطاليا، ومتحف أرمورييس الملكي في لندن ومتحف اللوفر باريس في فرنسا ...
وفي الاخير يوجه مكتب الجمعية الشكر الجزيل الأستادة عزيزة المزريوري على تطوعها لمرافقة المجموعة في هذه الجولة المهمة ، كما نشكر المسؤولة عن متحف القصبة للثقافات المتوسطية السيدة هاجر عن شروحاتها القيمة، والشكر موصول كذلك لكل من شارك في هذه المناسبة المباركة وساهم في انجاح هذه الخرجة العلمية.
* عن مكتب جمعية طنجة بين الامس واليوم
* طنجة في : 19 ماي 2024
2024-05-18 19:31:23