تعتبر أسرة بن الصديق من الأسر الشريفة التي استقرت بالمدينة ، إذ يرجع نسبها إلى المولى إدريس فاتح المغرب ، قدم جدهم الأكبر من الأندلس في القرن 5ه وسكن ببني يزناسن من أحواز تلمسان ، وفي القرن العاشر الهجري انتقل بعض أفراد الأسرة إلى قبيلة غمارة ، حيث استقروا هناك طويلا ثم توجه بعض أفرادها نحو مدينة طنجة حيث كان من حض المدينة (طنجة ) أن تحتضن هذه الأسرة العريقة التي تركت بصمات واضحة في تاريخها ، من خلال الرجال العظام الذين برزوا في ميادين شتى منهم :
" سيدي محمد بن الصديق "
هو سيدي محمد بن الحاج الصديق بن أحمد بن محمد بن قاسم بن محمد بن عبد المومن ، ولد بغمارة عام 1295ه وبعد تشبعه بمختلف العلوم الشرعية والدينية بالقبيلة،
أصبح من العلماء والشيوخ المربيين ، انتقل إلى طنجة وأقام فيها سوقا للثقافة والعلم ، وأسس طريقة صوفية عمل في البداية على الاتجاه بها اتجاها حركيا وسياسيا ، وسعى على تسليح أفرادها بالأسلحة الحديثة ، فكان لها دور مهم ومؤثر في وقتها خصوصا في مجال السياسة والتربية والسلوك ، وكان اتجاهه الفكري كاتجاه سائر فقهاء عصره ، ينهج منهج المالكية في العقيدة والعبادات ، ويتعصب للمذهب ، أمر أتباعه بالعمل بالسنة في العبادات واستمر على هذا الحال إلى أن توفي رحمه الله سنة 1354ه بطنجة ودفن بزاويته الصديقية.
" أحمد بن الصديق "
أحمد بن محمد بن الصديق بن أحمد بن محمد بن قاسم بن محمد بن عبد المومن ، ولد بقبيلة بني سعيد بناحية تطوان سنة 1320ه وبعد شهرين من ولادته عاد به والده إلى طنجة، حيث تلقى تعليمه الأولي في حفظ القران واستظهاره.
ولما بلغ من العمر تسع سنوات توجه رفقة والده لأداء فريضة الحج ، وبعد عودته شرع في الدراسة العلمية من استظهارللمتون والحديث والفقه والتصوف والتاريخ وتراجم الأئمة والعلماء حيث برز نبوغه في هذا المجال ، فوجهه والده للقاهرة سنة 1339ه لطلب العلم ، فاندمج بطلاب الأزهر الشريف لمدة سنتين ، وأبان عن نبوغه في مجال الدراسات الإسلامية ثم عاد إلى المغرب بسبب وفاة والدته سنة 1341ه ، وبعد سنتين نجده يعود للقاهرة لإتمام دراسته العليا .
وفي سنة 1344ه قدم والده للقاهرة لحضور مؤتمر الخلافة ، فانتقل معه لدمشق ومنها للمغرب حيث استقر هنا حوالي ست سنوات ليعود مرة ثالثة إلى القاهرة ويستقر إلى حوالي 1354ه وبذلك ذاع صيته وشهرته العلمية في هذا القطر من أقطار مصر لدرجة لقب "بسبويه" زمانه الا انه في سنة1354 ه عاد إلى طنجة واستقر بالمدينة ملبيا دعوة والده بالرجوع لأرض الوطن ، وفي هذه الفترة برزت عطاءات المترجم الذاتية ، فيما يخص مقاومة المستعمر ، وانقاذ البلاد من المعمر الغاصب ، فاشترك في ثورة ضد الإسبان سنة 1355ه .
وفي سنة 1365 ه قام بمظاهرات احجاجية ضد فرنسا وأعمالها التخريبية بالدار البيضاء ، حضر هذه المظاهرة أزيد من ثلاثين ألف شخص، انطلقت من زاوية والده الصديقية.
وفي سنة 1369ه اعتقل وحكم عليه بالسجن ثلاث سنوات مع غرامةمالية اضطر معها الى بيع كتبه .
بعد صمود طويل فوجئ المترجم بذكر اسمه سنة 1377ه في صفوف الخونة والحكم عليه بأخذ كل ما يملك، فأخذوا اخر ما يملك وكانت هي داره التي كان يسكنها ، فاضطر إلى مغادرة المغرب واللجوء إلى الديار المصرية حيث استقبله الشعب المصري والحكومة المصرية بكل ترحاب وتقدير ، فقدمت له منزلا مجهزا بأفخر الأثاث مع مكتبة عظيمة متوفرة على كل ما يحتاجه من الكتب ، لتكتفي "مصر " بالاستفادة من هذا العالم المتبحر في مختلف العلوم وبالأخص علوم الحديث ...
وفي هذه الفترة قام المترجم بالتنقل بين بلدان العالم الإسلامي خصوصا العراق وسوريا ، وكان في كل مرة يطلب منه المكوث والاستقرار بأحدها، إلا أنه كان يفضل العودة إلى مصر .
فيما يخص مؤلفات هذا الشيخ ، فهي متعددة تجاوزت ثلاث مائة مؤلف بين مخطوط ومطبوع واستمر على هذا الحال من العطاء إلى أن وافته
المنية بعد مرض القلب الذي كان مصابا به منذ وقت طويل فدفن بالقاهرة يوم الاحد فاتح جماد الثانية سنة 1380 ه .
"محمد الزمزمي بن الصديق "
هو محمد بن محمد بن محمد بن الصديق الغماري، ولد يوم 13 جمادى الأولى سنة 1330 ه بمدينة بور سعيد بمصر والسبب في تسميته بالزمزمي ، هو أن أبواه عندما عادا من أداء فريضة الحج، ولد محمد هذا بالقطر المصري وسمي محمدا تبركا باسم الرسول صلى الله عليه وسلم، والزمزمي تبركا ببئر زمزم .
بعد ولادته نقله والده إلى طنجة ليتلقى تعليمه الأولي بزاوية والده الصديقية، فحفظ القرآن وعكف على قراءة كتب السيرة والتاريخ ......وفي سنة 1349ه سافر إلى مصر لقراءة المتون والعلوم ، فدرس الفقه الحنبلي والمالكي وفرائض العربية والأصول على يد ثلة من رجالات مصر الذين أجازوه اجازة عامة .
بعد وفاة والده عاد إلى مدينة طنجة سنة 1354 ه وشرع في إلقاء الدروس العلمية بالجامع الكبير ، وبالزاوية الصديقية وغيرها من زوايا ومساجد طنجة ، ثم مارس الخطابة أكثر من أربعين سنة ، ولم تكن خطبه مقتصرة على المواضيع المتداولة بل تناول في خطب الجمعة مواضيع شتى ، فكان بذلك أول من سن هذه السنة لدرجة أن أشادت بها بعض الصحف التي كانت تصدر بتطوان آنذاك.
نبذ هذا العالم التبعية للغرب في الأخلاق والعبادات اليومية من أكل وشرب ،كما رفض تقلد الوظائف، إذ عرض عليه منصب مدير المعهد الديني كما عرض عليه التدريس بدار الحديث الحسنية الا انه كان يرفض في كل مرة لسبب نجهله، والعمل الوحيد الذي كان يرغب فيه هو التدريس بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة الا ان منهجه ومذهبه حال بين هذا التعيين.
ترك لنا هذا العالم مجموعة من المؤلفات تتجاوز المائة منها ماهو مطبوع ومنها مازال مخطوطا
بعد كل هذه الحياة الزاخرة بالعطاءات انتقل إلى رحمة ربه يوم الجمعة ودفن يوم السبت 29 ذي الحجة الحرام سنة 1408 ه ودفن بجانب مسجده هدي الرسول بحي حسنونة بطنجة .
"المصادر والمراجع "
- حياة الشيخ أحمد بن الصديق ويليه المبشرات التليدية ص 12و13.
- إسعاف الإخوان الراغبين بتراجم ثلة من العلماء المعاصرين ص 35-36.
- من أعلام طنجة في العلم والأدب والسياسة ص 120-121.
- العلم النبوي ص 8 -9.- 10 -11.
- "حوار مع أبي بن محمد الزمزمي بن الصديق"
بقلم : احسان بوليف
19/08/2020
2025-01-12 07:35:41