ذكريات طنجاوية


أخرجت فطومة " جلابة د الصواب " من خزانتها العتيقة ، جلبت لها شالا يناسبها ، بعدما تخلت عن القب و اللثام بإلحاح من ابنتها سعاد و قريبتها ، فمع تقدم سنها ، لم تعد لها القدرة البدنية على ترتيبه و تنسيقه كما يليق ..
مجبرة تخلت عن لثامها الذي أصبح ارتداؤه نادرا في مدينتها ..
لثام مثلث الشكل مطروز بالحراق.. و جلباب أنيق مفصل بعناية أوربية بتفاصيل محتشمة تليق بالمجتمع المغربي ..

قصدت بيت عمتها رحيمو المتواجد بالقصبة،  حيث ستجتمع نسوة العائلة في مناسبة سنوية كريمة توارثنها منذ عقود زمنية و 
دأبن على الاحتفال بها ..
فقد كان البارحة آخر أيام صفر و أكدت لجنة  مراقبة الهلال حلول شهر الأنوار و البركات .. شهر ربيع الأول..

ذهبت فطومة كعادتها لحضور حفلة " الدخول د الشهر " لتصل رحمها ، و تفرح بمولد الحبيب صلى الله عليه وسلم،  مستبشرة و مبشرة ..
بالدفوف و الطبل انطلقت الأمداح النبوية .. صادحة تشق عنان سماء طنجة العالية ..

أما الزغاريد فلا صوت يعلو فوق صوت عويشة ..
و امتزجت الموالد و القصايد بالدموع و الذكريات .. عندما كن صبابا يافعات ترافقن الأمهات طيلة شهر المولد إلى سيدي بوعراقية حيث يحضرن حفلات الختان و يطربن مع المنشدين و المسمعين و يأكلن من الكسكس اللذيذ و المعد بالبصل و الزبيب و الكثير من النية و الإخلاص..

مشاهد تتراآى أمام عيني فطومة الدامعتين لفراق الأحباب ، قبل أن يقطع صمتها أصوات النسوة مرددات

خرجت جمالي ترعالي الحلحال ترغب وتعيط افكاك لوحال 
خرجت اجمالي على باب الله ترغب وتعيط ارسول الله.
خرجت جمالي ترعالي القرفة ترغب وتعيط اجد الشرفاء

البشير النذير .. السراج المنير 
سيدنا محمد .. صلى الله عليه..

مشهد مازال يحضره الكبار  .. و للصغار ..
إرث يعبق بالجمال و الحب المحمدي ، يتوارثه جيل عن جيل 
في مشهد ثابت ، و إن تغيرت ملامحه و سماته ..

 
بقلم : عطية معين

تعليقات