كثيرة هي الحرف والعادات والطقوس التي كانت تصاحب شهر رمضان الفضيل في مدينة طنجة، والتي مع الأسف تقلص دورها أمام ظهور وانتشار وسائل أخرى يعتمد عليها للاستيقاظ كالساعات المُنبهة والهواتف الذكية ووسائل السمعي البصري...
ولكن رغم ذلك ، ما زالت هذه الحرف تضفي على شهر رمضان نوعا من الروحانية والحيوية ،وما زالت تشكل جزءا من تراثنا الطنجي الأصيل.
فالطبال” و "الغياط" و“النفار” : من المهن الموسمية التي تنشط فقط خلال شهر واحد وهو شهر رمضان... واصحابها في الغالب متطوعون لا يستهدفون من عملهم الا نيل الأجر والثواب خلال هذا الشهر المبارك، وهو إيقاظ الناس لتناول وجبة السحور واداء صلاتي الفجر والصبح ....
ولكن إعتاد الناس في نهاية هذا الشهر ( العشر الاواخر من رمضان ) على تقديم هدايا وإكراميات لهم مقابل عملهم التطوعي .
1- الطبال : هو ذلك الشخص الذي يسير في عتمة الليل فجرا في الشوارع والازقة بهدف إيقاظ الناس للاستعداد لتناول وجبة السحور، وذلك بآلة من آلات النقر وهو "الطبل" : وهو عبارة عن أسطوانة تتباين في قطرها، يشد على كل وجه من وجهها رق من جلد البقر او الماعز او الاغنام... ويضرب عليهما بأداتين خشبيتين ( عصاوين) ، ولتسهيل استعماله يقوم الطبال بتعليقه على إحدى كتفيه بحبل أو بحزام...
وتنطلق مهمته بساعة قبل ساعة السحور، ويجوب كل أزقة وشوارع المدينة.
و لازال بعض الاشخاص في طنجة يمارسون هذه المهنة خاصة في الاحياء الشعبية .
و من أشهر الطبالين بطنجة المرحومين "حسوان" و "با الحسين " الملقب "عباد الله" ومما كان يردده هذا الاخير : "آ عباد الله نوضوا تساحروا ، كولوا واشربوا هناكم الله".
2- الغياط : و هو الشخص الذي يستعمل "مزمارا " او " نايا " يسمى "الغيطة" ، وهي آلة موسيقية هوائية تعمل بالنفخ بالفم ،وتتصف بصوت عال جدا لذلك تشكل هي والطبل ثنائي إلزامي Duo
وهي من الآلات الموسيقية الشعبية المشهورة خاصة في منطقة الشمال.
ويطلق الطنجيون على الغياط في بعض الحالات "الشفاع" ، حيث يصعد المئذنة بعد صلاتي العشاء والتراويح ليقدم نغماته الممتعة على شكل تهليلات وتكبيرات وابتهالات لفترة قد تدوم اكثر من ربع ساعة...ومن المساجد المشهورة بهذه العادة الرمضانية جامع الجديد ومسجد سيدي بوعبيد و مسجد مرشان…
ومن أشهر الغياطين بطنجة "عربيطو" و" بوغابة "
ومن الاقوال الشعبية المأثورة في شأن الغياط: “قالو شنو كان باك ، قالوا: غياط. قالوا: الحمد لله رمضان تسالى". هههه
3- النفار : و هو الشخص الذي يحمل آلة النفخ النحاسية الطويلة يستعملها للتنبيه في البداية ببزوغ هلال شهر رمضان، كما يقوم طيلة هذا الشهر بإيقاظ الصائمين وقت السحور ، وكان بدوره يعتلي المآذن ، وفي بعض الاحيان كان يقتصر على الجولان بين الأحياء.
ومن العادات المتعارف عليها انه كان يطلق ثلاث نغمات مختلفة قبل الامساك مباشرة والتي تنتهي بطلقة المدفع مباشرة بعدها .
وبمجرد انتهاء الشهر الفضيل والإعلان عن رؤية هلال العيد، يقوم النفار في الصباح الباكر بجولة على الاحياء لجمع “الفطرة” ( اي زكاة الفطر) ، ومما كان يردده بالمناسبة: "حق النفار أ موالين الدار. الله يحيينا و يحييكم نالكابل إن شاء الله "
و من أشهر النفارين بطنجة "سيدي المختار" د دار الضمانة..
* اللوحات للفنان البلجيكي ( Victor Eeckhout 1821-1879) بأحياء مدينة طنجة في القرن 19.
بقلم :عفاف البقالي ✍️
طنجة في 08/04/2022
2025-01-11 23:34:13